المسار الزمني لتقدم العلوم والتكنولوجيا - ج2 علوم العصر الكلاسيكي وأوائل العصور الوسطي
ترجمة د. مصطفي معرفي
المسار الزمني لتقدم العلوم والتكنولوجيا مجموعة تتكون من عشرة مجلدات توفر تسلسلاً زمنياً للاختراقات العلمية والتكنولوجية الأهم في العالم، بما في ذلك التطورات الرئيسة في علم الرياضيات وعلم الفلك والفيزياء والكيمياء والعلوم الحيوية والطب والهندسة وارتياد الفضاء وكذلك التكنولوجيا من عصور ما قبل التاريخ إلى يومنا الحاضر. يبرز كل مجلدٍ فترة زمنية محددة من التاريخ البشري مسلطاً الضوء على أهم الإنجازات في كل حقلٍ من حقول العلوم والتكنولوجيا.
بين الاكتشاف والابتكار
هذه المجموعة تُعنى بتاريخ الاكتشافات والابتكارات. لكن، ما المقصود بالاكتشاف، وما الفرق بينه وبين الابتكار؟ بشكلٍ أساسي يُعرف الابتكار بأنه استحداث بشري لشيء جديد مفيد أو لعملية جديدة مفيدة ناتجة عن العقل الإنساني بشكلٍ كامل. ولذلك قد لا يبدو الابتكار واضحاً لجميع المتخصصين والمهرة في مجالٍ ما. وقد يكون مناسباً تلخيص عملية الابتكار بالجملة المعهودة «أود لو أنني فكرت بذلك». وفي الغالب ينتج الابتكار عن حاجة محددة. من هذا المنظور يختلف الابتكار عن الاكتشاف. فالاكتشافات موجودة دائماً وتنتظر من يأتي ليميط اللثام عنها. مثلاً، فإن توصل الإنسان إلى معرفة الألمنيوم ووجود مجرة المرأة المسلسلة وبكتيريا الجمرة الخبيثة (الأنثراكس) يدخل ضمن الاكتشافات. لكن آلة البخار ومفتاح الأمان والديناميت كلها ابتكارات
يعطي المسار الزمني لتقدم العلوم والتكنولوجيا تفاصيل آلاف الاكتشافات والابتكارات وتواريخ حدوثها، وكذلك أسماء المكتشفين والمخترعين لهذه الاكتشافات والابتكارات. وفي الغالب نعرف التاريخ الفعلي لظهور اكتشاف أو ابتكار ما، لكننا في أحيان أخرى لا نعرف غير تاريخ الإعلان عن أي منهما أو تاريخ تسجيل براءة الاختراع. وفي بعض الأحيان، وبسبب السرية لأسباب تجارية أو عسكرية، نجهل وجود الابتكارات حتى تظهر علينا في المحال التجارية أو في ساحات المعارك. مع الاكتشافات الأقدم، علينا أن نعتمد على الأدلة الظرفية الأثرية (الآركيولوجية)، ولهذا السبب تظهر تواريخ الأحداث القديمة كلها في هذه المجموعة بشكلٍ تقريبي، مثلاً حوالي عام 3000 ق. م.، وقد وضعت بهذه الصورة في إطار تاريخي عام وليس على نحو محدد تاريخيا. كما أن تحديد تاريخ «واحد» لأي اكتشاف أو ابتكار قد يهضم حق آخرين عملوا باستقلالية عن غيرهم، ودون معرفة بما يطوره غيرهم، ممن يمكن اعتبارهم رواداً أيضا – وبخاصة في وقت لم تكن وسائل الاتصالات والنشر متطورة مثل أيامنا حاليا. ومن هنا نحاول الاعتراف بهذه الحقيقة، ولذلك قد يدون اختراع معين بتواريخ عدة ولمبتكرين عديدين. بالإضافة إلى ذلك تمت إعادة اكتشاف وإعادة ابتكار أشياء عدة خلال التاريخ البشري، مثل ابتكار أحرف الطباعة المحمولة وصواريخ البارود في الحروب، وضعت كلها في أماكنها اللائقة في المسار الزمني
.
مع اقترابنا من العصر الحديث نجد أن ربط ابتكار أو اكتشاف ما مع شخص واحد يصبح أقل شيوعا. فالتطورات الجديدة نتاج جهد مضنٍ لمجموعاتٍ من الباحثين – بعض هذه الاكتشافات والابتكارات تبدو حتمية من خلال تمويل الصناعة للجهود المبذولة في بلوغها أهدافاً معينة. ولذلك قد يعود فضل اكتشافٍ ما إلى مجموعة من العلماء العاملين في الجامعات، كما قد ينال فضل ابتكار ما منظمة تجارية. في عالمنا المعاصر لا يمكن لفردٍ واحد إنجاز المهمة بأكملها بمفرده –يكفي أن نذكر أن النجاح في إنزال إنسان واحد على سطح القمر نتاج جهد وكالة الطيران والفضاء الأمريكية (ناسا) بأكملها